Episodios
-
لعلها من أتمّ قصائد أبي تمام في الحكمة إن لم تكن من أحكم الشعر العربي القديم، تصور التنافس المخلّ عندما يجاري شخص شخصا آخر ليس على مكارم الأخلاق بل على الأخلاق المذمومة تلك التي يردها أبوتمام إلى الدناءة في الركض نحو المخازي والغدر، أما الحر فعليه بالصبر لأن سرعان ما تتحول الشدة إلى رخاء، وأبوتمام شاعر الحماسة في العربية لا ينطق بذلك إلا عن تجربة، تلك التجربة التي جعلته يقول بأن الحياء أولى من التبجح الذي يفقد صاحبه أردية الخفر، ويجعله يعوي خلف الكرام.
إذا جَارَيْتَ في خُلُقٍ دَنِيئاً فأنتَ ومنْ تجارِيه سواءُ
رأيتُ الحرَّ يجتنبُ المخازي ويَحْمِيهِ عنِ الغَدْرِ الوَفاءُ
وما مِنْ شِدَّة إلاَّ سَيأْتي لَها مِنْ بعدِ شِدَّتها رَخاءُ
لقد جَرَّبْتُ هذا الدَّهْرَ حتَّى أفَادَتْني التَّجَارِبُ والعَناءُ
إذا ما رأسُ أهلِ البيتِ ولى بَدا لهمُ مِنَ الناسِ الجَفاءُ
يَعِيش المَرْءُ ما استحيَى بِخَيرٍ ويبقى العودُ ما بقيَ اللحاءُ
فلا واللهِ ما في العيشِ خيرٌ ولا الدُّنيا إذا ذَهبَ الحَياءُ
إذا لم تخشَ عاقبة الليالي ولمْ تستَحْي فافعَلْ ما تَشاءُ
لئيمُ الفعلِ من قومٍ كرامٍ لهُ مِنْ بينهمْ أبداً عُوَاءُ -
بصوت: د. علي بن تميم
هذه واحدة من روائع شاعر العرب أبو تمام، أحد أمراء البيان، عرف ببديع قوله، وبأن في شعره قوة
وجزالة، واختلف في التفضيل بينه وبين المتنبي والبحتري، له تصانيف، منها فحول الشعراء، وديوان الحماسة، ومختار أشعار القبائل، ونقائض جرير والأخطل، هذه واحدة من روائعه. يقول فيها:
أجلْ أيها الربعُ الذي خفَّ آهِلهْ لَقَدْ أَدرَكَتْ فيكَ النَّوَى ما تُحاوِلُه
وقَفْتُ وأحشَائي مَنَازلُ للأَسَى بهِ، وَهْوَ قَفْرٌ قَدْ تَعَفَّتْ مَنازِلُهْ
أُسَائلُكُمْ مابَالُهُ حَكَمَ البِلَى عليهِ، وإلا فاتركُوني أسائِلُهْ
لَقَد أحسَنَ الدَّمْعُ المُحَامَاة َ، بَعْدَما أَسَاءَ الأسَى إِذْ جَاوَرَ القَلْبَ دَاخِلُهْ
دعا شوقُهُ يا ناصرَ الشوقِ دعوة ً فلَبَّاهُ طَلُّ الدَّمْعِ يجْري ووَابِلُهْ
وقَفْنَا عَلَى جَمْرِ الوَدَاعِ، عَشِيَّة ً ولا قلبَ، إلا وهوَ تغلي مراجلُهْ
تيقنتُ أن البينَ أولُ فاتكٍ به مذ رأيتُ الهجرَ، وهوَ يغازلهْ
يُعَنفُني أنْ ضِقْتُ ذَرْعاً بنَأْيهِ ويَجْزَعُ أَن ضاقَتْ عليه خَلاخلُهْ -
¿Faltan episodios?
-
بصوت د. علي بن تميم
واحدة من القصائد الفذة يتحسر فيها أبو تمام على أيام الفراق التي لا يفوت منها يوم إلا ويقبل يوم ثانٍ أشد شوقاً وفداحة تكون فيه الحشا كلها حسرات، لكنه رغم ذلك وكعادة العاشقين لا يستبدلون الحب بحب أجد ولا ينكرون العهد بل يظلون أبداً على العهد الأول. ولذلك فالعاشق كما يرى الشاعر مفردٌ في شوقه وفي بثه ولا يشبه إلا سواه.
جَزَى اللّهُ أَيَّامَ الفِرَاقِ مَلامَة ً كما ليسَ يَوْمٌ في التَّفَرُّق يُحْمَدُ
إِذَا ما انقَضَى يومٌ بِشَوْقٍ مُبَرحٍ اتى باشتياقٍ فادحٍ بعدهُ غدُ
فلم يبقٍ مني طولُ شوقي اليهمِ سوى حسراتٍ في الحشا تترددُ
خليليَّ ما أرتعتُ طرفي ببهجة ٍ وما انبسَطتْ مني إِلى لذَّة ٍ يَدُ
ولا استحدثت نفسي خليلاً مجدداً فيُذْهِلُنِي عنه الخَليلُ المُجَدَّدُ
ولا حلتُ عن عهدي الذي قد عهدتما فدوما على العهدِ الذي كنتُ اعهدُ
فإنْ تَخْتلُوا دُوني بِأُنْسٍ ولَذَّة ٍ فإِني بِطُولِ البَث والشَّوْقِ مُفْرَدُ -
بصوت: د.علي بن تميم
أبو تمام هو شاعر العرب، أحد أمراء البيان، في شعره قوة وجزالة، واختلف في التفضيل بينه وبين
المتنبي والبحتري، له تصانيف، منها فحول الشعراء، وديوان الحماسة، ومختار أشعار القبائل، هذه واحدة من روائعه
يقول فيها:
إنَّ عهداً لو تعلمانِ ذميما
أَنْ تَنَامَا عَنْ لَيْلَتِي أو تُنِيمَا
كنتُ أرعى البُدُورَ حتَّى إذَا ما
فارَقُوني أمسَيْتُ أرعَى النُّجُومَا
قَدْ مَرَرْنا بالدَّارِ وهْيَ خَلاءٌ
وبكينا طلولها والرسوما
وسألنا ربوعَها فانصرفْنا
بسَقَامٍ وما سَأَلْنا حَكيمَا
أصبَحَتْ رَوْضَة ُ الشبَابِ هَشِيماً
وغدتْ ريحُهُ البليلُ سمومَا
شعلة ٌ في المفارقِ استودعتني
في صَمِيمِ الفُؤَادِ ثُكْلاً صَمِيما
تستثيرُ الهمومُ ما اكتنَّ منها
صعداً وهي تستثيرُ الهموما
كُلَّما زُرْتُهُ وجَدْتُ لَدَيْهِ
نَسَباً ظاعِناً ومجْداً مُقيما
أجدرُ الناس أن يُرى وهو مغبو
نٌ وهيهاتَ أن يُرى مظلوما
كلُّ حالٍ تَلْقَاهُ فيها ولكنْ
ليس يُلقى في حالة ٍ مذمُوما -
بصوت د. علي بن تميم
تمثل هذه المختارات القصيرة من أشعار أبي تمام اتجاها أساسيا في شعره، ينزع فيها إلى الجانب الغنائي تارة وإلى الحسّي تارة أخرى ليعبر بذلك عن جانب مهم في تجربته الشعرية والحياتية قد يكون معاكسا لما عرف عنه من نزعة لشعر الحماسة والغوص اللغوي المركب.
بصوت د. علي بن تميم
فقال:
رَاحَتِي في البُكَاءِ حتَّى أَراكَا إنَّ لي منك شاغلاً عن سواكا
تعسَ الهجرُ والذي شأنهُ الهج ـرُ مِنَ النَّاسِ كُلهمْ حَاشَاكَا
أرشِدَني إلى رِضَاكَ فإني لستُ أدرِي ما حيلتي في رِضَاكَا!
وإِذَا قِيلَ منْ تُحِبُّ تَخطَّا لساني وأنت في القلب ذاكا
وقال:
أغارُ عليكَ مِنْ قُبَلِي وإِنْ أعطَيْتَني أمَلِي
وأشفقُ أن أرى خدّيـْ ـكَ نَصْبَ مَواقِع المُقَلِ
وقال:
اِستَزارَتهُ فِكرَتي في المَنامِ فَأَتاني في خُفيَةٍ وَاِكتِتامِ
اللَيالي أَحفى بِقَلبي إِذا ما جَرَحَتهُ النَوى مِنَ الأَيّامِ
يا لَها لَذَّةً تَنَزَّهَتِ الأَر واحُ فيها سِرّاً مِنَ الأَجسامِ
مَجلِسٌ لَم يَكُن لَنا فيهِ عَيبٌ غَيرَ أَنّا في دَعوَةِ الأَحلامِ -
بصوت د.علي بن تميم
تعد هذه القصيدة واحدة من أجمل القصائد لأبي تمام الطائي، ويصوّر فيها لحظة الفراق التي يتوجّع فيها العاشق فاقد عزاءه وصبره لكنّ الشاعر لا يفوته أن يصوّر في الوقت نفسه الدموع التي تفيض مثخنة من عين العاشق على خلاف أعين العذال الشامتة به لأنه ظلّ راعيا لعهد الحب، وهنا نص القصيدة:
نُسَائِلُهَا أَيَّ المَواطِنِ حَلَّتِ وأيِّ ديارٍ أوطنتها وأيتِ
وماذا عليها لو أشارتْ فودعت إلينا بأطرافِ البنانِ وأومتِ
وما كانَ إلاّ أنْ تولّتْ بها النوى فَوَلَّى عَزَاءُ القَلْبِ لَمَّا تَوَلَّتِ
فأما عيونٌ العاشقينَ فأسخنتْ وأَمّا عيُونُ الشامِتينَ فَقَرَّتِ
ولما دعاني البينُ وليتٌ إذْ دعا ولما دعاها طاوعتهُ ولبتِ
فلمْ أرَ مثلي كانَ أوفى بذمة ولا مثلها لم ترعَ عهدي وذمتي
مَشُوقٌ رَمَتْهُ أَسْهُمُ البَيْن فانْثَنَى صَريعاً لها لمَّا رَمَتْهُ فأَصْمَتِ
لئنْ ظمئتْ أجفانُ عيني إلى البكا لقَدْ شَرِبَتْ عَيْني دَماً فَتَروَّتِ
عليها سلامُ اللهِ أني استقلتِ وأَنَّى اسْتَقَرَّتْ دَارُها واطْمَأَنَّتِ