Episódios
-
بصوت د. علي بن تميم
ولا زلنا مع شاعر الغزل العفيف، مجنون ليلى، قيس بن الملوح، نواصل معه رحلة العشق والوجد والحنين والصبابة من قصيدة إلى أخرى، هنا يتحدى من يلومونه لأنه اختار ليلى، فتجاهل أسانيدهم وقولهم إنها من "بيت عداوة" وفند ذلك بحديثه عن شوقه إليها، ويقال إن والده جمع أعمامه وأخواله فلاموه وقالوا له "لا خير لك في ليلى ولا لها فيك"، وقال والده له: "يا قيس دع عنك ليلى لقد ضعف جسمك واعتراك الهزال، وصرت ناحلاً كالخيال وليس بعد ذلك إلا إضاعة العمر والمصير إلى المهالك"، فلما سمع قيس ذلك تنفس وأنشد يقول:
قَد لامَني في حُبِّ لَيلى أَقارِبي أَبي وَاِبنُ عَمّي وَاِبنُ خالي وَخالِيا
يَقولونَ لَيلى أَهلُ بَيتِ عَداوَةٍ بِنَفسِيَ لَيلى مِن عَدوٍّ وَمالِيا
أَرى أَهلَ لَيلى لا يُريدون بيعها بِشَيءٍ وَلا أَهلي يُريدونَها لِيا
قَضى اللَهُ بِالمَعروفِ مِنها لِغَيرِنا وَبِالشَوقِ وَالإِبعادِ مِنها قَضى لِيا
قَسَمتُ الهَوى نِصفَينِ بَيني وَبَينَها فَنِصفٌ لَها هَذا لِهَذا وَذا لِيا
أَلا يا حَماماتِ العِراقِ أَعِنَّني عَلى شَجَني وَاِبكينَ مِثلَ بُكائِيا
يَقولونَ لَيلى بِالعِراقِ مَريضَةٌ فَيا لَيتَني كُنتُ الطَبيبَ المُداوِيا
فَشابَ بَنو لَيلى وَشابَ اِبنُ بِنتِها وَحُرقَةُ لَيلى في الفُؤادِ كَما هِيا
وَإِلّا فَبَغِّضها إِلَيَّ وَأَهلَها فَإِنّي بِلَيلى قَد لَقيتُ الدَواهِيا
يَلومونَ قَيساً بَعدَ ما شَفَّهُ الهَوى وَباتَ يُراعي النَجمَ حَيرانَ باكِيا
فَيا عَجَباً مِمَّن يَلومُ عَلى الهَوى فَتىً دَنِفاً أَمسى مِنَ الصَبرِ عارِيا
يَبَيتُ ضَجيعَ الهَمِّ ما يَطعَمُ الكَرى يُنادي إِلَهي قَد لَقيتُ الدَواهِيا
بِساحِرَةِ العَينَينِ كَالشَمسِ وَجهُها يُضيءُ سَناها في الدُجى مُتَسامِيا -
بصوت: د. علي بن تميم
ما زلنا نواصل الغوص في قصائد الشاعر المتيّم مجنون ليلى قيس بن الملوّح، طلباً للدر اللآلئ، ونتوقف اليوم عند واحدة من أجمل قصائد الغزل، قالها عندما نصحه والده أن يكف عن هذا الحب الذي أودى به للتهلكة والضعف ، وأتاح المجال للوشاة والحساد بإطلاق أقاويلهم عنه حبه لابنة عمه وهي دونه في الثروة والجاه، لكن لم يزده كلام والده إلا حباَ وعشقاً وشعراً، فازداد به العشق وهاجت عليه الأشواق من غصة الفراق، وكانت هذه الأبيات.
ألاَ لا أرى وادي المياهِ يُثِيبُ ولا النفْسُ عنْ وادي المياهِ تَطِيبُ
أحب هبوط الواديين وإنني لمشتهر بالواديين غريب
أحقاً عباد الله أن لست وارداً ولا صادراً إلا عليّ رقيب
ولا زائِراً فرداً ولا في جَماعَة من الناس إلا قيل أنت مريب
ولا خير في الدنيا إذا أنت لم تزر حبيباً ولم يَطْرَبْ إلَيْكَ حَبيبُ
وكَم قائِلٍ لي اِسلُ عَنها بِغَيرِها وَذَلِكَ مِن قَولِ الوُشاةِ عَجيبُ
فَقُلتُ وَعَيني تَستَهِلُّ دُموعَها وَقَلبي بِأَكنافِ الحَبيبِ يَذوبُ
لَئِن كانَ لي قَلبٌ يَذوبُ بِذِكرِها وَقَلبٌ بِأُخرى إِنَّها لَقُلوبُ
فَيا لَيلَ جودي بِالوِصالِ فَإِنَّني بِحُبِّكِ رَهنٌ وَالفُؤادُ كَئيبُ
وَإِنّي لَأَستَحيِيكِ حَتّى كَأَنَّما عَلَيَّ بِظَهرِ الغَيبِ مِنكِ رَقيبُ -
Estão a faltar episódios?
-
بصوت: د. علي بن تميم
إنه الحنين والجوى والحب العذري، وما يفعله في العاشق. والعاشق هنا هو مجنون ليلى، قيس بن الملوّح، الذي يحسد ظبياً على صحته رغم مرض ليلى، والذي يرى قلبه غريباً بين أضلاعه، مريضاً بالصبابة والنحيب، لدرجة أنه يتمنى أن القلوب لم تخلق ولم تكن إن كانت كمثل قلبه. إنه الحب وما يفعله في العشاق والشعراء، كما نرى في هذه الأبيات.
يقولون كم تجري مدامع عينه لها الدهر، دمع واكف يتحدر
وليس الذي يجري من العين ماؤها وَلَكِنَّهَا نَفْس تَذُوب وَتَقْطُرُ
وقالوا لو تشاء سلوت عنها فقلت لهم فاني لا أشَاءُ
لها حب تنشأ في فؤادي فليس له -وإن زُجِر - انتِهاءُ
أقول لظبي مر بي وهو راتع أأنت أخو ليلى فقال يقال
أيا شِبْه لَيْلَى إن لَيْلَى مَرِيضَة وأنت صحيح إن ذا لمحال
فؤادي بين أضلاعي غريب يُنادي مَن يُحب فلا يُجيبُ
أحاط به البلاء فكل يوم تقارعه الصبابة والنحيب
لقد جَلب البَلاء علي قلبي فقلبي مذ علمت له جلوب
وإن تَكن القُلوب كمثل قلبي فلا كانَت إذا تِلك القُلوبُ -
بصوت: د. علي بن تميم "هي البدرُ حسناً، والنساءُ كواكبٌ" قصيدة للشاعر العذري قيس بن الملوح "مجنون ليلى". والقصيدة تصور حالة العاشق المتيم الذي يماثل نفسه بالعصفور الذي بللته قطرة الماء فهز جناحيه منتفضاً، ويجنح في وصف تفضيلها على الناس مثلما فُضّلت على ألف شهر ليلة القدر.
يقول في أبياتها:
هي البدرُ حسناً، والنساءُ كواكبٌ، وشتّانَ ما بين الكواكب والبدر!
يقولون: مجنون يهيم بحبها، والله ما بي من جنونٍ ولا سحرِ
إذا ما قرضت الشعرَ في غيرِ ذكرها، أبى ، وأبيكم، أن يطاوعني شعري
فلا نعِمتْ بعدي، ولا عِشتُ بعدها، ودامت لنا الدنيا إلى ملتقى الحشرِ
ليالي أعطيت البطالة مقودي تمُرُّ اللَّيالي وَالسُنوُن وَلا أدرِيَ
مضى لي زمانٌ، لو أُخَيَّرُ بينه، وبين حياتي خالداً أبد الدهرِ
لقلتُ: ذروني ساعة وكلامها على غفلة الواشينَ، ثم اقطعوا عمري
مُفَلَّجة الأنيابِ، لو أنّ ريقَها يداوى به الموتى ، لقاموا به من القبرِ
إذا ذُكِرَتْ لَيْلَى أُسَرُّ بِذِكْرِهَا, كمَا انْتَفَضَ العُصْفُورُ مِنْ بَلَلِ القَطْرِ
تَدَاوَيْتُ مِنْ لَيْلَى بِلَيْلَى عَن الْهَوى كمَا يَتَدَاوَى شَارِبُ الخَمْرِ بِالْخَمْرِ
ألا زعمت ليلى بأن لا أحبها بَلَى وَاللَّيَالِي العَشْرِ والشَّفْعِ وَالْوَتْرِ
بَلَى وَالَّذي لاَ يَعْلَمُ الغَيْبَ غيْرُهُ بقدرته تجري السفائن في البحر
بَلَى والَّذِي نَادَى مِنَ الطُّورِ عَبْدَهُ وعظم أيام الذبيحة والنحر
لقد فضلت ليلى على الناس مثلما على ألف شهر فضلت ليلة القدر -
بصوت: د. علي بن تميم
هذا هو قيس بن الملوح، شاعر الحب العذري، ومجنون ليلى، يتضرع في هذه الأبيات إلى الله ألا يسلبه حبها، ويتوب إليه من الذنوب، لكنه لا يستطيع أن يتوب عن زيارتها،
ويقال إنه لما اشتهر حبه لها، أقبل الناس إلى أبيه وقالوا له: لو أخرجته إلى مكة يزور بيت الله الحرام لعل الله يعافيه مما ابتلي. فأخرجه أبوه إلى مكة وهما راكبان جملاً في محل ، فلما قدما مكة قال له: ياقيس تعلق بأستار الكعبة، ففعل، فقال الأب: قل "اللهم أرحني من ليلى وحبها"، فقال قيس: "اللهم منُ عليّ بليلى وقربها". فضربه أبوه فأنشأ يقول بعض ما جاء في الأبيات التالية
إنه الحب والشعر حين يلتقيان فيصنعان أبدع القصائد الغزلية في تاريخ الأدب العربي.
أتوب إليك يا رحمن مما عملت فقد تظاهرت الذنوب
فأما من هوى ليلى وتركي زِيارتَها فَإنِّي لا أَتوبُ
وكيف وعندها قلبي رهين أتوب إليك منها أو أنيب
تعَلَّقتُ لَيْلَى وهْيَ غِرٌّ صَغِيرَة ولم يَبْدُ لِلأترابِ من ثَدْيها حَجْمُ
صَغِيرَيْنِ نَرْعَى البَهْمَ يا لَيْتَ أنَّنَا إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم
يا رب إنك ذو من ومغفرة بيت بعافية ليل المحبينا
الذاكرينَ الهَوَى مِنْ بَعدِها رقدُوا الساقطين على الأيدي المكبينا
يا رب لا تسْلُبَنِّي حُبَّها أبداً وَيَرْحَمُ اللّه عَبْداً قال آمينا
يقر لعيني قربها ويزيدني بِها عَجَباً مَنْ كانَ عِندِي يَعيبُها
وكم قائل قد قال تب فعصيته وَتِلْكَ لَعَمْري خَلَّة لا أُصِيبُها
وَمَا هَجرَتْكِ النَّفْسُ يا لَيْلَ أنَّها قَلَتْكِ وَلَكِنْ قَلَّ مِنْكِ نَصِيبُها
فيا نفس صبراً لست والله فاعلمي بِأوَّلِ نَفْسٍ غابَ عَنْها حَبِيبُها -
بصوت د. علي بن تميم
هذه قصيدة من أجمل وأعذب وأرق قصائد قيس بن الملوح الملقب بمجنون ليلى، شاعر أموي متيم، لقب بذلك لهيامه في حب ليلى العامرية التي نشأ معها وعشقها فرفض أهلها أن يزوجوها به، فهام على وجهه ينشد الأشعار ويأنس بالوحوش ويتغنى بحبه العذري، فيرى حيناً في الشام وحيناً في نجد وحيناً في الحجاز، وهو أحد القيسين الشاعرين المتيمين. توفي سنة 68 هـ الموافق 688م، وقد وجد ملقى بين أحجار وهو ميت، فحُمل إلى أهله، يقول في قصيدته:
أَلا لَيتَ عَيني قَد رَأَت مَن رَآكُمُ
لَعَلِّيَ أَسلو ساعَةً مِن هُيامِيا
وَهَيهاتَ أَن أَسلو مِنَ الحُزنِ وَالهَوى
وَهَذا قَميصي مِن جَوى البَينِ بالِيا
فَقُلتُ:نَسيمَ الريحَ،أَدِّ تَحِيَّتي
إِلَيها وَما قَد حَلَّ بي وَدَهانِيا
فَأَشكُرَهُ إِنّي إِلى ذاكَ شائِقٌ
فَيا لَيتَ شِعري هَل يَكونُ تَلاقِيا؟!!
مُعَذِّبَتي،لَولاكِ ما كُنتُ هائِماً
أَبيتُ سَخينَ العَينِ حَرّانَ باكِيا
مُعَذِّبَتي،قَد طالَ وَجدي وَشَفَّني
هَواكِ فَيا لِلناسِ قَلَّ عَزائِيا
مُعَذِّبَتي،أَورَدتِني مَنهَلَ الرَدى
وَأَخلَفتِ ظَنّي وَاِحتَرَمتِ وِصالِيا
خَليلَيَّ،هَيّا أَسعِداني عَلى البُكا
فَقَد جَهَدَت نَفسي وَرُبَّ المَثانِيا
خَليلَيَّ،إِنّي قَد أَرِقتُ وَنِمتُما
لِبَرقٍ يَمانٍ فَاِجلِسا عَلِّلانِيا
خَليلَيَّ،لَو كُنتُ الصَحيحَ وَكُنتُما
سَقيمَينِ لَم أَفعَل كَفِعلِيكُما بِيا
خَليلَيَّ،مُدّا لي فِراشِيَ وَاِرفَعا
وِسادي لَعَلَّ النَومَ يُذهِبُ ما بِيا -
بصوت د.علي بن تميم
هذه واحدة من أفضل قصائد قيس بن الملوح الملقب بمجنون ليلى، شاعر أموي متيم، لقب بذلك لهيامه في حب ليلى العامرية التي نشأ معها وعشقها فرفض أهلها أن يزوجوها به، فهام على وجهه ينشد الأشعار ويأنس بالوحوش ويتغنى بحبه العذري، فيرى حيناً في الشام وحيناً في نجد وحيناً في الحجاز، وهو أحد القيسين الشاعرين المتيمين. توفي سنة 68 هـ الموافق 688م، وقد وجد ملقى بين أحجار وهو ميت، فحُمل إلى أهله، يقول في قصيدته:
ما بال قلبك يا مجنون قد هلعا في حبِّ من لا تَرى في وصلها طَمَعَا
الحبُّ والودُّ نِيطا بالفؤادِ لها فأصبحَا في فؤادِي ثابِتَيْنِ مَعا
طُوبَى لمن أنتِ في الدنيا قرينتُه لقد نفى الله عنه الهم والجزعا
بل ما قرأت كتاباً منك يبلغني إلاَّ ترقرقَ ماءُ العَيْن أو دمعَا
أدعو إلى هجرها قلبي فيتبعني حتى إذا قلت هذا صادق نزعا
لا أستطيع نزوعاً عن مودتها أو يصنع الحب بي فوق الذي صنعا
كَمْ من دَنِيٍّ لها قد كنتُ أتبَعُهُ ولو صحا القلب عنها كان لي تبعا
وزادني كَلَفاً في الحبِّ أن مُنِعَتْ أحبُّ شيءٍ إلى الإِنسان ما مُنِعا
إِقْرَ السلامَ على لِيْلَى وحقَّ لها مني التحية إن الموت قد نزعا
أمات أم هو حي في البلاد فقد قلَّ العّزَاءُ وأبدَى القلبُ ما جَزِعا